الجمعة، 30 سبتمبر 2022

خلف قناع السندريلا ⁵


|| مخطط السعادة الأبدية ||


قام الأمير شارل بدوريات في جميع أنحاء المملكة للبحث عن أميرته الغامضة.
و مع ذلك لم يناسب مقاس الحذاء أي من الفتيات اللواتي جربنه.
كاد يفقد الأمل، إلا أنه ذات صباح عثر على ورقة صغيرة بجانب الكعب الزجاجي، و قد دون عليها اسم عائلة سندريلا.

أخذ بعضا من فرسانه، و اتجه صوب قصر والد سندريلا.
حالما وصل استقبلته السيدة تريمين، و طلب منها أن يقابل جميع الفتيات في القصر حتى الخادمات، كي يجربن جميعهن الكعب.

و مع ذلك لم تأتي سوى دريزيلا و أناستازيا، بيد أن الحذاء لا يناسب قدم أي منهن.
لم تكلف السيدة تريمين نفسها عناء دعوة سندريلا، فهي لم تحضر الحفل على أية حال، كما أنها لم تكن لتستمع إليها حتى.
في حين أن فئران سندريلا شاهدوا ما يحدث، و صعدوا إلى العلية بسرعة لإخبارها.

و عندما كان الأمير شارل على وشك المغادرة، تظاهرت سندريلا بأنها تمر فقط بينما تحمل سلة الغسيل.
لكن الأمير تعرف عليها بسرعة، فقد كان لها ذات الشعر الأشقر و العيون الزجاجية الزرقاء الشبيهة بالكريستال.

طلب منها تجربة الحذاء، ففعلت دون اعتراض، و اتضح أنها شريكة الأمير التي رقصت معه في تلك الليلة.
صدمت السيدة تريمين هي و انتيها، فحاولت تصحيح الوضع و تفسير سبب عدم دعوتها لسندريلا كي تنزل إليهم.
و مع ذلك لم يسمح لها الأمير بذلك، فقد سمع بالفعل عن إشاعات تقول أنها تعامل ابنة زوجها بسوء.
فقرر معاقبتها على جريمتها تلك، خاصة و أنه تأكد بأم عينيه الآن.

و قبل أن يجر الفرسان السيدة تريمين إلى المحاكمة، ادعت سندريلا أنها تريد توديعها أولا، فبعد كل شيء هي كانت عائلتها الوحيدة المتبقية.
اقتربت من السيدة تريمين و انبطحت ليصبح وجهها قرب أذن الأخرى، لتهمس بصوت خافت.
"لقد كانت أنا منذ البداية"
ثم ابتعدت بهدوء، قبل أن تخرج ممسكة بيد الأمير شارل.

اتسعت عيني السيدة تريمين عندما أدركت ما كانت تعنيه كلمات سندريلا.
لقد اعترفت ببساطة أنها المسؤولة عن موت والدها و عن الشائعات و التهم التي لفقت لها طوال هذه السنوات.
لقد كانت تدعي باحتراف فلم يكشفها أحد من قبل.
لقد كان كل هذا خطة من سندريلا و عرابتها الساحرة.

و مع ذلك لم يكن بوسع تريمين أن تنبس ببنت شفة.
فليس هناك دليل يدعم نظريتها، كما أن سندريلا لم تقل بشكل مباشر أنها الفاعلة، بل و هناك شهود خدعوا أيضا فظنوا أن ما رأوه هو الحقيقة.

لطالما تم تلفيق الوقائع بأخرى زائفة على مر العصور.
و لطالما مات أناس و حبس آخرون زورا.
فقط لأنهم يصدقون ما يرونه حتى و إن لم يكن منطقيا.

و مع ذلك تبقى الغلبة للأذكى و ليس للأقوى دائما.
سندريلا لم تكن بالبراءة التي تبدو عليها، لكنها أيضا لم تكن بذلك السوء، فكل ما أرادته هو تحقيق العدالة لوالدتها التي ماتت بسبب والدها!

لقد قام والد سندريلا بخيانة زوجته الأولى مع السيدة تريمين نفسها، و عندما هددته بفضح أمره قرر التحلص منها، و قد فعل ذات الشيء مع والد دريزيلا و أناستازيا.
أرادت أن تسامحه في البداية لكن حقدها زاد عندما أحضر المرأة التي خان معها والدتها.
حينها حزمت قرارها بالثأر منهم.

و بالتالي نسجت شباك خطتها على مر السنوات القليلة الماضية.
و قد استثنت دريزيلا و أناستازيا من العقاب، و مع ذلك لم تمنع نفسها من استغلالهن لمصلحتها.
و هكذا أخبرت العرابة الساحرة عن كل ما تعرفه فساعدتها لتنتقم لصديقتها المقربة، و التي هي والدة سندريلا.
في البداية كانت الخطة تقتضي محاكمة تريمين عند تلفيق التهم لها، ثم تعثر على فتى نبيل و ثري في الحفلة الملكية لتتزوجه و تكمل حياتها بسعادة.

و ما لم تتوقعه هو انجذاب الأمير بنفسه إليها.
و هكذا أخذت الخطة منحى مختلفا بعض الشيء، لكنه في النهاية لم يكن شيئا سيئا.
فقد تم التحقيق مع السيدة تريمين عوقبت على خيانتها زوجها مع والد سندريلا، و ليس لأن سندريلا بحد ذاتها لفقت لها تلك التهم و أدانتها.

ربما لو لم تمت والدتها و تتعرض للخيانة من والدها، لكانت فتاة طيبة كما في الأحاديث التي تدور عنها بين الناس؟
من يدري، فخلف ابتسامة كل شخص هناك عبوس.. عبوس يخفيه قناع مبتسم طوال الوقت.

و هذه كانت خطة السعادة الأبدية التي لم تأتي من فراغ، بل من جهد و عمل مثابر لسنوات..
قد يعتبر الكثيرون أن سندريلا؛ الفتاة اللطيفة و طيبة القلب تعرضت للشقاء بسبب زوجة والدها، لكن الحقيقة أن السيدة تريمين لم تكن بذلك السوء في المعاملة، عدا أنها كانت تنظر في عيني سندريلا كل يوم دون ذرة ندم على الخيانة التي أقدمت عليها.

ما جعل كره الفتاة الصغيرة يزداد مع مرور الأيام، فامتلأ قلبها البريء و الرقيق بحقد دفين اتجاهها، كانت ستنتقم حتى لو استغرق ذلك منها كل حياتها.
لكنها ليست بذلك الغباء، كي تهدم حياتها أيضا بل حافظت على سمعتها و نظرة الناس لها، كي يكون لها مستقبل مشرق كما تتمنى لها أمها.

و هذا ما كان يتوارى خلف قناع السندريلا..

 

خلف قناع السندريلا ⁴

|| الحفلة الملكية ||

مضت السنوات تركض تباعا، و لا زالت سندريلا تزور العرابة الساحرة في منتصف الليل.
و مع ذلك لم يشك بها أحد للحظة، فلا أحد يعلم بما يدور في رأسها خلف قناع البراءة ذاك.

في يوم مشمس، كانت السماء فيه صافية تحوم وسطها بعص الغيوم البيضاء النقية.
وصلت دعوة لقصر والد سندريلا.

خلال هذه الأيام القليلة القادمة، ستقام حفلة ملكية للإحتفال بالأمير و الذي هو نفسه ولي العهد.
كان الغرض من الحفلة، هو إيجاد الأمير شارل لنفسه زوجة من بين بنات النبلاء أو حتى من عامة الناس.

ففي هذا الإحتفال يسمح لجميع فتيات المملكة بالحضور.
و إذا أعجب الأمير بإحداهن فستتوج ولية للعهد بجانبه.
لم يكن أحد في المملكة يهتم ما إذا كانت زوجة الأمير عامية أو نبيلة، المهم أنها تتصف بما يلزم لتصبح في المستقبل ملكة طيبة تعتني بشعبها جيدا.

استلمت السيدة تريمين الدعوة التي تنص على حضور جميع الفتيات الموجودات في هذا المنزل.
لكنها لم تطلب من سندريلا التجهز للحفل، و ذلك لسبب بسيط.
ليس لأنها لم ترغب باصطحابها معها.
بل لأن سندريلا دائما ما ترفض حضور الحفلات في كل مرة تتم دعوتهم.
فظنت أنها سترفض هذه المرة أيضا، لدى طلبت أفضل الفساتين لابنتيها و التي تسير على الموضة تلك الأيام.
أرادت حقا أن تصبح إحدى ابنتيها زوجة للأمير كي يعشن في سعادة و رغد.

عندما كن على وشك ركوب العربة في الليلة التي أقيم فيها الحفل، خرجت سندريلا لتلحق بهن.
كانت ترتدي فستانا ورديا شبه متهالك و ذا طراز قديم.

أرادت أن تصعد العربة بجانبهن، لكن السيدة تريمين أوقفتها.
"ما هذا يا سندريلا؟ لماذا ترتدين هذا الفستان البالي؟!"
إذا ذهبت سندريلا بمثل هذه الثياب، فسيتم تلفيق تهمة لها بأنها تعتدي على ابنة زوجها اليتيمة، لكنها ببساطة لم تكن تفعل، لقد أعطتها بالفعل الحرية للتصرف كما تشاء و لم تجبرها على شيء.
"أوه، هذا ليس فستانا باليا.. بل إنه فستان أمي.. لقد كانت تعتز به كثيرا لذلك أردتُ ارتداءه"

تجادلت السيدة تريمين و سندريلا حول الفستان، فقد طلبت منها زوجة والدها أن تغيره إلى فستان أكثر ملاءمة، أو أن تختار إحدى فساتين ابنتيها، لكن سندريلا أبت ذلك و أصرت على الذهاب بفستان والدتها.

ثار غضب سندريلا بسبب إهانة تريمين لفستان والدتها فقامت بدفعها، و كردة فعل أمسكت السيدة تريمين الجزء العلوي من دراع سندريلا فتمزق كتف الفستان و طارت الزينة البسيطة التي كانت على الصدر.

و هكذا لم يعد الفستان صالحا للإستخدام حرفيا.
سقطت دموع سندريلا بألم و حسرة، حاولت السيدة تريمين الإعتذار و تفسير سوء الفهم، فهي لم تقصد فعل ذلك.
لكن سندريلا اندفعت للحديقة الخلفية حيث الدفيئة الزجاجية التي تحتوي مزروعات متنوعة، و لا زالت الدموع تنهمر بغزارة من عينيها بينما تعانق الفستان الذي ترتديه.

تأخر الوقت بالفعل، و لم يكن في استطاعة السيدة تريمين انتظار سندريلا أكثر.
فإذا لم يحظر أحد من منزلهم، ستكون تلك إهانة للعائلة الملكية كونهم رفضوا الدعوة بوقاحة.
لذلك قررت الذهاب و الإعتذار عن غياب سندريلا بكونها مريضة بعض الشيء.

بمجرد أن غادرت، خرجت العرابة الساحرة من الدفيئة و هي تحمل يقطينة كبيرة بعض الشيء.
وضعتها أرضا و بدأت بمواساة سندريلا، و أخبرتها أنها ستصلح فستانها و ستساعدها على الذهاب إلى الحفلة رغما عن اعتراض الجميع.

حركت عصاها السحرية ليتحول الفستان الوردي البسيط إلى آخر أكثر فخامة، ذو لون أزرق سماوي مع بريق مميز يحيطها.
ثم جعلت اليقطينة تتحول إلى عربة كبيرة و أنيقة، و فئران سندريلا إلى أحصنة بيضاء قوية، بينما حولت السحلية إلى سائق بملابس رسمية خضراء.
و مع ذلك حذرتها العرابة الساحرة من أن السحر سيتلاشى بمجرد أن تدق الساعة منتصف الليل.

و هكذا انطلقت سندريلا إلى وجهتها؛ و هي القلعة الملكية حيث يقام الحفل.
وصلت متأخرة و مع ذلك استقبلها الفرسان الملكيون و فتحوا لها البوابة.
بمجرد أن دخلت لفتت انتباه الجميع و من بينهم الأمير، لكن أحدا لم يستطع تمييز ملامحها بسبب السحر.
تقدم إليها الأمير شارل ليطلب أول رقصة معها، فوافقت برحابة صدر و راحت ترقص بينما تناست أمر الوقت، إلى أن انتبهت أنه لم يبقى سوى أقل من ربع ساعة على منتصف الليل.
فتركت يد الأمير فجأة في منتصف الرقصة و راحت تركض عبر البوابة، نزلت الدرج بسرعة، لكنها توقفت مجددت و التفتت إلى الخلف حيث كان الأمير يركض خلفها.

خلعت أحد أزواج كعبها الكريستالي الشفاف، و تركته على الدرج بينما أكمت ركضها و هي تحمل الزوج الآخر للكعب في يدها.
صعدت العربة بسرعة و أمرت الأحصنة بالعودة إلى البيت، لكن وقت السحر انتهى في منتصف الطريق، أو لنقل في وسط الغابة.
لذلك أعادتها العرابة الساحرة بمأمن إلى المنزل.

لحسن حظها عادت قبل السيدة تريمين بنصف ساعة.
فقد أنهى الأمير الحفلة بمجرد هروب سندريلا من القصر، لذلك عاد جميع الحضور إلى بيوتهم، و من بينهم تريمين و ابنتيها أناستازيا و دريزيلا.

أقفلت سندريلا على نفسها في العلية و أبت الخروج.
مهما حاولت السيدة تريمين محادثتها كانت تتعرض للطرد فقط.
فقررت تركها و شأنها فحسب.


خلف قناع السندريلا ³

 

مضى ما يقارب أسبوع لم ترى فيه تريمين أو أي من ابنتيها وجه سندريلا.
ظنن أنها لا تزال تحت الصدمة لدى لم يشأن إزعاجها.

لكن الفضول غزى جوف أناستازيا ذات الشعر الأحمر.
صعدت الدرج على مهل، و وقفت مباشرة أمام غرفة سندريلا.

جمعت قبضة يدها تمهيدا لتطرق الباب.
طرقة.. طرقتان.. ثلاث...
لكن ما من رد!

غريزيا سحبت مقبض الباب و دخلت باندفاع.
كانت تظن أن مكروها أصاب الفتاة الحبيسة بالداخل.
عدا أن ما شاهدته أثار دهشتها حقا.
"ماذا حدث بحق السماء؟!"

فتحت فمها غير مستوعبة للمنظر أمامها.
كانت غرفة سندريلا تحتوي أغرض أناستازيا و شقيقتها دريزيلا. 

بينما اختفت أغراض سندريلا و كأنها لم تكن هنا يوما.
وقفت سندريلا أمام النافذة تنظف زجاجها من الغبار، في حين أنها كانت ترتدي فستانا بسيطا و رثا على غير العادة، فمعظم ملابسها كانت فاخرة.

لوهلة ظنت أناستازيا أن سندريلا أصيبت بالجنون، أو لنقل أنها كانت تظن ذلك قبل أن يموت والدها حتى.
لطالما حاولت التواصل معها و التقرب منها لكن سندريلا تبتعد بقدر ما تقترب منها أناستازيا.

"س.. سندريلا، ماذا تفعلين؟"
هزت سندريلا كتفيها ببساطة.
"أنا أنظف الغرفة من أجل أختاي.. كانت أمي تقول أن الأوساخ تنقل الأمراض المعدية.. و أنا لا أريد لأختاي أن تمرضا "
"ماذا..؟"
بدت أناستازيا مرتبكة و لم تفهم ما ترمي إليه سندريلا من كلامها.
"أنا أريد الأفضل لأختاي.. و هذه الغرفة هي الأفضل في المنزل كله"
قالت سندريلا كلماتها بصوت عميق النبرة، مما زاد توتر أناستازها وسط دهشتها و استغرابها.

بعد أن سلمت سندريلا الغرفة للأختين اختارت أن تقيم في العلية، قائلة أنها فسيحة الحجم و ستلائمها أكثر.
في البداية اعترضت السيدة تريمين خشية تلطيخ سمعتها و اتهامها بأنها سبب قرارات سندريلا تلك.
حتى لو كانت تعامل ابنة زوجها بجفاء و برود، فلم تكن أبدا ستأخذ غرفتها و تعذبها، كانت فقط ستتجاهلها إلى أن تكبر و تتزوج هكذا لن تحدث أي مشاكل، حتى لو طالبت بحصتها في الميراث فلن يكون نصيبها بالشيء الكثير.

مع ذلك ظلت سندريلا مصرة، قائلة أن رأي الناس لا يهمها مع أن الأمر ليس صحيحا.
كانت تستيقظ باكرا كل صباح لتعد الفطور، لكنها لا تجلس معهم بل تتناول جميع وجباتها في المطبخ.
في البداية كانت تدعي بأنها ليست جائعة، أو أن معدتها ليست بخير، بالمجمل كانت تخترع أعذارا لتتجنب مجالستهم.
إلى أن اعتدن ذلك فما عدن يسألنها الجلوس معهن، و قد استغنت السيدة تريمين عن الخادمات بطلب من سندريلا.

فقد قالت هذه الأخيرة أنها تحب الإعتناء بالمنزل بمفردها، لأنها تحاول الإحتفاظ بذكريات والدتها كما هي، و لا ترغب بأن يلوثها أحد غريبة عن المنزل.
كانت تقصد بكلماتها السيدة تريمين و ابنتيها، لكنهن فقط تجاهلن ما قالته و ادعين أنهن لم يفهمن ما كانت ترمي إليه بشكل غير مباشر.

في هذه الأثناء، و تحديدا في السنوات الأخيرة قبل بلوغ سندريلا سن الثامنة عشرة.
كانت تنشر شائعات بين العامة تظهر فيها زوجة والدها كأنها شريرة تعذب الفتاة اليتيمة المسكينة.
كما دعم بعض الضيوف الذين زاروا القصر هذه الإدعاءات لأنهم شاهدوا سندريلا تقوم بجميع الأعمال المنزلية بينما ترتدي ملابس بالية لا تليق بابنة تاجر ثري كوالدها.

لقد كسبت تأييد و تعاطف الأغلبية، كما وصلت الشائعات إلى القصر الملكي.
و مع ذلك لم يحرك أحد ساكنا، لأنهم في حاجة إلى دليل ملموس.
و طالما لم تقدم سندريلا على الشكوى، فلا يمكنهم اتهام السيدة تريمين باطلا، مع أن كل شيء واضح وضوح الشمس بالفعل.


خلف قناع السندريلا ²


العرابة الساحرة


"أهلا بعرابة أمي الساحرة~"
قالتها سندريلا بنوع من المزاح، بينما تذرف تلك الساحرة الدموع بشكل ادرامي.
حركت يدها في الهواء ليظهر منديل استحدمته لكبح شلال الدموع المالحة.
كانت امرأة في عقدها الثالث، ذات بشرة بيضاء، و شعر بني مصفف باحتراف.

راحت تحاول معانقة سندريلا لكن الأخرى ظلت تتملص من بين ذراعيها كلما سجنتها في حضنها.
"لا أصدق أنه تزوج امرأة أخرى عدا أمك.. ذلك الخائن.. لقد وعد بتربيتك بنفسه، فلما أحضر بنات أخريات"
"تماما"
ردت سندريلا و قد تغير مزاجها مئة و ثمانين درجة.

لكنها سرعان ما رفعت رأسها بشموخ و قد قطبت حاجبيها عازمة على الإنتقام.
"لهذا أتيت إليك.. أريد الإنتقام"
سرعان ما ابتسمت لتشاركها الساحرة بذات الإبتسامة أيضا.

بالتأكيد لم تكن ابتسامة تنم على الخير، إنما ابتسامة شر مشتركة بين الإثنتين.
مضى الوقت بسرعة و هما تتناقشان حول خطتهما، إلى أن قاربت الشمس ملامسة الأفق.
كانت بعض من أشعتها قد تسربت بالفعل.

نهضت سندريلا من مستقرها، و عادت إلى المنزل عدوا قبل استيقاظ الآخرين.
حالما وصلت دخلت المطبخ، و باشرت في إعداد الفطور.
في ذلك اليوم لم تنم طوال الليل؛ لدى أخذت قيلولة طويلة بعد الظهيرة مما أثار استغراب الجميع.
فعادة ما تكون سندريلا نشيطة و حيوية.

لم تمضي سوى بضعة أسابيع و ها هو والد سندريلا يغادر من أجل عمل جديد، بحكم طبيعة مهنته كتاجر.
بدا له وداع سندريلا غريبا هذه المرة.
فقد وقفت على مسافة منه بينما تلوح له مع ابتسامة غريبة.
"وداعا.. يا أبي"

لم يكن من عادتها قول كلمة 'وداعا' بدل 'إلى اللقاء'.
لكنه لم يعلق على الأمر و اكتفى بالتلويح كرد.

بعد ثلاثة أيام فقط، وصل خبر وفاة والد سندريلا إليها و للسيدة تريمين.
صعدت سندريلا غرفتها بسرعة، لدى خالها الجميع صدمت.

كان المنزل في حالة من الفوضى، الزوار يأتون من كل مكان و سندريلا لا تزال حبيسة غرفتها و تأبى الخروج.
لقد انتقلت ثروة العائلة كلها إلى زوجة الأب كون الفتيات ما زلن صغيرات لتحمل مسؤولية الإرث.

في ذات الليلة هربت سندريلا مجددا نحو الغابة، و التقت بعرابة أمها و التي أصبحة عرابتها الساحرة.
ارتمت في حضنها و عانقتها هذه المرة من دون تذمر.
ظللن على هذا الحال لمدة قبل أن تفصلا العناق أخيرا.

امتدت يد العرابة لتمسح وجنتي سندريلا المبللتين.
لكن سرعان ما أجهشتا معا في الضحك تزامنا مع بعضهما البعض.


خلف قناع السندريلا ¹


|| زوجة الأب تريمين ||

الجميع سمع عن قصة سندريلا و الأمير اللذان عاشا حياة سعيدة إلى الأبد..

و ما أعنيه بـ" إلى الأبد " ليس أن السعادة صدفة وقعت من السماء!
بل؛ خطة محكمة نسجت أوتارها على مر السنين.

سندريلا ليست بالبراءة التي تبدو عليها،
كانت شريرة بقدر ما كانت بريئة..
ما يجلب السعادة الأبدية هو الجهد المثمر و الدهاء الفذ.
فليس الصمت صبرا، و لا الصبر ضعفا.

// قبل ثلاث سنوات من حصول سندريلا على السعادة الأبدية..

كانت سندريلا لا تزال في الخامسة عشرة آن ذاك.
فتاة في مرحلة المراهقة بشعر ذهبي مشدود في جدائل متقنة بإحكام.

كانت تجثو أمام قبر حمل اسم أمها، التي ابتلعها التراب.

ظلت تبكي على هذه الحال لأيام..
صباحا حالما تستيقظ من النوم،
و مياءا قبل الخلوذ إلى الفراش كي تغفو بعد أن تبلل وسادتها بدموع مالحة من القهر.

كان خبر وفاة والدتها بمثابة صاعقة اخترقة محيطها الهادئ، ذا المناخ المشرق.
ليهتاج هذا المحيط بأمواج تعصف بها دون رحمة.

بعد مرور بضعة أسابيع كئيبة منذ الجنازة، بدأت سندريلا تغادر حزنها شيئا فشيئا.
و زاد أثناء ذلك تعلقها بوالدها إلى حد الجنون، خاصة بعد أن طردت جميع الخدم في القصر.

عرف والد سندريلا بتجارته الناجحة و المربحة.
كان شخصا حكيما في اتخاء القرارات، بل و لطيفا اتجاه ابنته الوحيدة و يعاملها بدلال.
و ذات يوم ذهب الأب الحنون في رحلة عمل، أذرت عليه دخلا ناجعا.
عدا أن شريكه غرق بإحدى السفن التي تحمل البضائع، و لحسن الحظ لم يكن والد سندريلا يستقل نفس السفينة بل أخرى.

هذا الرجل يملك زوجة تدعى السيدة تريمين و ابنتين دريزيلا و أناستازيا، لم يستطع كاهل الأب احتمال ثقل الذنب العارم الذي اجتاحه اتجاه عائلة شريكة، لم يشأ أن يدعهم يتشردون بينما تنقض عليهم أنياب التجار المحتالين لتنهب ثروتهم.

فقرر بعد ذلك أن يتحمل المسؤولية، و كي يمنع عنه القيل و القال لإحضاره أرملة شريكه إلى البيت، فضل أن يعقد معها قرانا دون حفلة زفاف و أن يتبنى ابنتيها و تكبرا مع سندريلا فتينك الفتيات متقاربات في العمر.

وقفت العربة الفاخرة في مقدمة القصر المتواضع، و وقفت قبالتها سندريلا منتظرة والدها بشوق.
لكن اللوات فتح لهن الباب الخشبي المزين، كن بمثابة صاعقة ثانية في حياتها.

امرأة في عقدها الثالث، و فتاتان إحداهما في نفس عمرها ذات شعر أسود، بينما الأخرى تصغرها بعام و لها شعر أحمر ناري.
لقد كرهتهن و كرهت مجرد النظر إلى والدها.
حاول شرح الأمور لها بعد أن دخلوا غرفة الجلوس.
لكنها و بشكل غريب قالت أنها تفهم الأمر، عدا أن تعابيرها كانت توحي بخلاف ذلك.

استأذنت صغيرتنا سندريلا كي تصعد إلى غرفتها، فلم يشأ والدها أن يجبرها على المكوث معهم لوقت أطول.
صعدت الدرج بخطوات متوازنة بينما تمسك تلابيب فستانها الفاخر كالنبلاء.
و حللما أغلقت باب غرفتها المتواجدة في الطابق الثاني، حتى انهارت تبكي بعصبية، و تشوهت ملامح وجهها الهادئة بتعابير من الغضب و الكره.

كانت يداها تلتقطان أي شيء أمامها لتقذف به عرض الحائط.
توقفت بعد أن تحولت الغرفة إلى مكان أشبه بساحة حرب ضربها إعصار جنوني.
زجاج النوافذ كان مهشما، تتدلى الستائر ممزقة بلا حول و لا قوة.
ملاءات السرير مبعثرة على الأرص، و كل أغراصها من ثياب و حلي و حتى العطور؛ لم يعد هناك أمل في معظمها، بينما الباقي ممن نجوا كانوا يستنجدون و هم ممددون على الأرض للإبقاء عليهم.

رفست سندريلا زجاجة عطر باهضة ذات خلفية وردية بحذاء كعبها، ما جعل أجزاءها تتناثر هنا و هناك و تتحول إلى شظايا.
فاح ذلك العطر الأخاذ في جميع أنحاء الغرفة التي تعم في الفوضى.
بيد أنها كرهت تلك الرائحة، فقد اشتمت ما يشابهها على زوجة أبيها بينما تلقيان التحية على بعضها.
زاد ذلك من حدة مزاج الراهقة سندريلا التي كانت على أبواب مرحلة الشباب.

جلست مسندة ظهرها على الباب خلفها، و هي تعانق ركبتيها و تحاول بيأس كبت شهقاتها و إسكات أنينها.
ظلت بذات الوضعية إلى أن هدأت قليلا.
في الحقيقة لقد استغرقها ذلك اليوم بطوله، و قد اجتازت وجبة الغذاء بالفعل مدعية أنها متعبة.
لم تكن لتسمح لأحد بأن يرى كم الفوضى اللتي تسببت بها؛ فقد يخالونها مجنونة، في حين أنها في كامل قواها العقلية لتبدأ مخطط الإنتقام العكسي.

لم تكن سندريلا لتعتمد على شفقة أحد اتجاهها، و لسيما تلك المرأة و ابنتيها.
أما والدها فذاك حديث آخر ستخصص له ما تستطيع من وقت.

نظفت سندريلا غرفتها، و تخلصت من الأشياء المكسورة بعد أن ألقتها بعيدا.

ثم نزلت السلالم مجددا، و هذه المرة في اتجاه المطبخ، قد يكون هذا شيئا لا يصدق؛ لكن سندريلا بنفسها من أعدت العشاء!
"آه، كم وددت لو أضع السم في جميع الأطباق.. لكني لن أحتمل صحبتكم في الجحيم أيضا"

جهزت الطاولة بأشهى المأكولات التي تجيد كيفية طرخها.
نادت على وادها و زوجته و ابنتيها أيضا، و التف الخمسة حول الطاولة و كل على كرسيه.
كافحت سندريلا لتحافظ على ابتسامتها الأنيقة قدر الإمكان.
عدا أن وجهها يمتعض في اشمئزاز، فلم تستطع تناول وجبتها بأريحية، فمجرد للنظر إلى ما آل إليه المنزل بعد رحيل والدتها يفقدها الشهية تماما.

بعد الإنتهاء من العشاء، تحاملت سندريلا على قدميها لتعيد الأطباق إلى المطبخ.
لم تكلف أي من ابنتي تلك المرأة المتغطرسة نفسها كي تمد يد المساعدة.
كان ذلك أشبه بجعلها تذل أكثر مما هي عليه، و هذا بالضبط ما أوحى لها بفكرة جهنمية من شأنها أن تضمن مستقبلا واعدا لها، و جحيما مستعرا لبقية سكان هذا المنزل الذي باثت تمقته بمجرد أن داست أقدامهم المحملة بالطمع أعتابه.

عندما خلد الجميع إلى النوم، تحديدا عند منتصف الليل.
خرجت سندريلا من الباب الخلفي خلسة، و هي تتسلل مختبئة خلف قلنسوة ردائها الأحمر الذي تألق تحت شعاع القمر الخافت.

من يراها للوهلة الأولى، سيظنها تائهة لا تدرك طريق العودة.
لكن الحقيقة هي أن لها وجهة محددة، حفظت طريقها عن ظهر قلب.
شقت بخطواتها الثابتة منحا على أرضية الغابة المتربة، و هي تسير بين الأشجار كمحترف اعتاد التجوال بينها، لدرجة أن الغابة نفسها باثت ترشده إلى الطريق الصحيح.

لم يستغرق الأمر وقتا طويلا كي تبلغ وجهتها.
وقفت تحدق بحزن في تلك الشجرة السامخة، التي تحمل عدة شرائط بيضاء مربوطة حول أغصانها بإحكام، بينما تتلاعب بها الرياح في تموجات منحت الشجرة مظهرا صلبا و هيبة غريبة.
بالأحرى؛ كانت تلك الشجرة تحمل أمنيات لأناس أضاعوا طريق الخروج مز الغابة و انتهى بهظ المطاف هنا، أمنيات لأناس يئسوا من الحياة و تعثرهم المتكرر بعقباتها.

و مع ذلك، فقد كانت هذه الشجرة سرية نوعا ما، لا يعلم أهل القرية بأمرها إلا قلائل منهم، و من ضمن هؤلاء القلائل والدة سندريلا التي كانت تأخذ بيدها لتتنزها بالقرب من الشجرة.
تسربت الذكريات إلى عقل سندريلا كمد لا يتبعه جزر.
فجأة شعرت أن أحدهم يلقي بظلاله عليها، التفتت قبل أن تبتسم باتساع و هي تحدق بصاحبة الفستان الأخضر.


خلف قناع السندريلا ⁵

|| مخطط السعادة الأبدية || قام الأمير شارل بدوريات في جميع أنحاء المملكة للبحث عن أميرته الغامضة. و مع ذلك لم يناسب مقاس الحذاء أي من الفتي...