الجمعة، 30 سبتمبر 2022

خلف قناع السندريلا ¹


|| زوجة الأب تريمين ||

الجميع سمع عن قصة سندريلا و الأمير اللذان عاشا حياة سعيدة إلى الأبد..

و ما أعنيه بـ" إلى الأبد " ليس أن السعادة صدفة وقعت من السماء!
بل؛ خطة محكمة نسجت أوتارها على مر السنين.

سندريلا ليست بالبراءة التي تبدو عليها،
كانت شريرة بقدر ما كانت بريئة..
ما يجلب السعادة الأبدية هو الجهد المثمر و الدهاء الفذ.
فليس الصمت صبرا، و لا الصبر ضعفا.

// قبل ثلاث سنوات من حصول سندريلا على السعادة الأبدية..

كانت سندريلا لا تزال في الخامسة عشرة آن ذاك.
فتاة في مرحلة المراهقة بشعر ذهبي مشدود في جدائل متقنة بإحكام.

كانت تجثو أمام قبر حمل اسم أمها، التي ابتلعها التراب.

ظلت تبكي على هذه الحال لأيام..
صباحا حالما تستيقظ من النوم،
و مياءا قبل الخلوذ إلى الفراش كي تغفو بعد أن تبلل وسادتها بدموع مالحة من القهر.

كان خبر وفاة والدتها بمثابة صاعقة اخترقة محيطها الهادئ، ذا المناخ المشرق.
ليهتاج هذا المحيط بأمواج تعصف بها دون رحمة.

بعد مرور بضعة أسابيع كئيبة منذ الجنازة، بدأت سندريلا تغادر حزنها شيئا فشيئا.
و زاد أثناء ذلك تعلقها بوالدها إلى حد الجنون، خاصة بعد أن طردت جميع الخدم في القصر.

عرف والد سندريلا بتجارته الناجحة و المربحة.
كان شخصا حكيما في اتخاء القرارات، بل و لطيفا اتجاه ابنته الوحيدة و يعاملها بدلال.
و ذات يوم ذهب الأب الحنون في رحلة عمل، أذرت عليه دخلا ناجعا.
عدا أن شريكه غرق بإحدى السفن التي تحمل البضائع، و لحسن الحظ لم يكن والد سندريلا يستقل نفس السفينة بل أخرى.

هذا الرجل يملك زوجة تدعى السيدة تريمين و ابنتين دريزيلا و أناستازيا، لم يستطع كاهل الأب احتمال ثقل الذنب العارم الذي اجتاحه اتجاه عائلة شريكة، لم يشأ أن يدعهم يتشردون بينما تنقض عليهم أنياب التجار المحتالين لتنهب ثروتهم.

فقرر بعد ذلك أن يتحمل المسؤولية، و كي يمنع عنه القيل و القال لإحضاره أرملة شريكه إلى البيت، فضل أن يعقد معها قرانا دون حفلة زفاف و أن يتبنى ابنتيها و تكبرا مع سندريلا فتينك الفتيات متقاربات في العمر.

وقفت العربة الفاخرة في مقدمة القصر المتواضع، و وقفت قبالتها سندريلا منتظرة والدها بشوق.
لكن اللوات فتح لهن الباب الخشبي المزين، كن بمثابة صاعقة ثانية في حياتها.

امرأة في عقدها الثالث، و فتاتان إحداهما في نفس عمرها ذات شعر أسود، بينما الأخرى تصغرها بعام و لها شعر أحمر ناري.
لقد كرهتهن و كرهت مجرد النظر إلى والدها.
حاول شرح الأمور لها بعد أن دخلوا غرفة الجلوس.
لكنها و بشكل غريب قالت أنها تفهم الأمر، عدا أن تعابيرها كانت توحي بخلاف ذلك.

استأذنت صغيرتنا سندريلا كي تصعد إلى غرفتها، فلم يشأ والدها أن يجبرها على المكوث معهم لوقت أطول.
صعدت الدرج بخطوات متوازنة بينما تمسك تلابيب فستانها الفاخر كالنبلاء.
و حللما أغلقت باب غرفتها المتواجدة في الطابق الثاني، حتى انهارت تبكي بعصبية، و تشوهت ملامح وجهها الهادئة بتعابير من الغضب و الكره.

كانت يداها تلتقطان أي شيء أمامها لتقذف به عرض الحائط.
توقفت بعد أن تحولت الغرفة إلى مكان أشبه بساحة حرب ضربها إعصار جنوني.
زجاج النوافذ كان مهشما، تتدلى الستائر ممزقة بلا حول و لا قوة.
ملاءات السرير مبعثرة على الأرص، و كل أغراصها من ثياب و حلي و حتى العطور؛ لم يعد هناك أمل في معظمها، بينما الباقي ممن نجوا كانوا يستنجدون و هم ممددون على الأرض للإبقاء عليهم.

رفست سندريلا زجاجة عطر باهضة ذات خلفية وردية بحذاء كعبها، ما جعل أجزاءها تتناثر هنا و هناك و تتحول إلى شظايا.
فاح ذلك العطر الأخاذ في جميع أنحاء الغرفة التي تعم في الفوضى.
بيد أنها كرهت تلك الرائحة، فقد اشتمت ما يشابهها على زوجة أبيها بينما تلقيان التحية على بعضها.
زاد ذلك من حدة مزاج الراهقة سندريلا التي كانت على أبواب مرحلة الشباب.

جلست مسندة ظهرها على الباب خلفها، و هي تعانق ركبتيها و تحاول بيأس كبت شهقاتها و إسكات أنينها.
ظلت بذات الوضعية إلى أن هدأت قليلا.
في الحقيقة لقد استغرقها ذلك اليوم بطوله، و قد اجتازت وجبة الغذاء بالفعل مدعية أنها متعبة.
لم تكن لتسمح لأحد بأن يرى كم الفوضى اللتي تسببت بها؛ فقد يخالونها مجنونة، في حين أنها في كامل قواها العقلية لتبدأ مخطط الإنتقام العكسي.

لم تكن سندريلا لتعتمد على شفقة أحد اتجاهها، و لسيما تلك المرأة و ابنتيها.
أما والدها فذاك حديث آخر ستخصص له ما تستطيع من وقت.

نظفت سندريلا غرفتها، و تخلصت من الأشياء المكسورة بعد أن ألقتها بعيدا.

ثم نزلت السلالم مجددا، و هذه المرة في اتجاه المطبخ، قد يكون هذا شيئا لا يصدق؛ لكن سندريلا بنفسها من أعدت العشاء!
"آه، كم وددت لو أضع السم في جميع الأطباق.. لكني لن أحتمل صحبتكم في الجحيم أيضا"

جهزت الطاولة بأشهى المأكولات التي تجيد كيفية طرخها.
نادت على وادها و زوجته و ابنتيها أيضا، و التف الخمسة حول الطاولة و كل على كرسيه.
كافحت سندريلا لتحافظ على ابتسامتها الأنيقة قدر الإمكان.
عدا أن وجهها يمتعض في اشمئزاز، فلم تستطع تناول وجبتها بأريحية، فمجرد للنظر إلى ما آل إليه المنزل بعد رحيل والدتها يفقدها الشهية تماما.

بعد الإنتهاء من العشاء، تحاملت سندريلا على قدميها لتعيد الأطباق إلى المطبخ.
لم تكلف أي من ابنتي تلك المرأة المتغطرسة نفسها كي تمد يد المساعدة.
كان ذلك أشبه بجعلها تذل أكثر مما هي عليه، و هذا بالضبط ما أوحى لها بفكرة جهنمية من شأنها أن تضمن مستقبلا واعدا لها، و جحيما مستعرا لبقية سكان هذا المنزل الذي باثت تمقته بمجرد أن داست أقدامهم المحملة بالطمع أعتابه.

عندما خلد الجميع إلى النوم، تحديدا عند منتصف الليل.
خرجت سندريلا من الباب الخلفي خلسة، و هي تتسلل مختبئة خلف قلنسوة ردائها الأحمر الذي تألق تحت شعاع القمر الخافت.

من يراها للوهلة الأولى، سيظنها تائهة لا تدرك طريق العودة.
لكن الحقيقة هي أن لها وجهة محددة، حفظت طريقها عن ظهر قلب.
شقت بخطواتها الثابتة منحا على أرضية الغابة المتربة، و هي تسير بين الأشجار كمحترف اعتاد التجوال بينها، لدرجة أن الغابة نفسها باثت ترشده إلى الطريق الصحيح.

لم يستغرق الأمر وقتا طويلا كي تبلغ وجهتها.
وقفت تحدق بحزن في تلك الشجرة السامخة، التي تحمل عدة شرائط بيضاء مربوطة حول أغصانها بإحكام، بينما تتلاعب بها الرياح في تموجات منحت الشجرة مظهرا صلبا و هيبة غريبة.
بالأحرى؛ كانت تلك الشجرة تحمل أمنيات لأناس أضاعوا طريق الخروج مز الغابة و انتهى بهظ المطاف هنا، أمنيات لأناس يئسوا من الحياة و تعثرهم المتكرر بعقباتها.

و مع ذلك، فقد كانت هذه الشجرة سرية نوعا ما، لا يعلم أهل القرية بأمرها إلا قلائل منهم، و من ضمن هؤلاء القلائل والدة سندريلا التي كانت تأخذ بيدها لتتنزها بالقرب من الشجرة.
تسربت الذكريات إلى عقل سندريلا كمد لا يتبعه جزر.
فجأة شعرت أن أحدهم يلقي بظلاله عليها، التفتت قبل أن تبتسم باتساع و هي تحدق بصاحبة الفستان الأخضر.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

خلف قناع السندريلا ⁵

|| مخطط السعادة الأبدية || قام الأمير شارل بدوريات في جميع أنحاء المملكة للبحث عن أميرته الغامضة. و مع ذلك لم يناسب مقاس الحذاء أي من الفتي...